يُختلف كثيرا حول مدلول الابستمولوجيا ومستغرقاتها المعرفية والمنهجية، وقد لا نجد لها تعريفا معجميا قاموسيا وقفيا، يحدّد لنا طبيعة الاشتغال الابستمولوجي ومعناه الفلسفي الدقيق. كما أن التصور السائد عموما حول مفهومية الابستمولوجيا هو اهتمامها بالحركة الفلسفية النقدية من تحليل وتمحيص للمناهج العلمية، والتصورات والمصادرات الاساسية التي ينطلق منها العلماء كقواعد صلبة لبناء قوانينهم ونظرياتهم، حول مختلف الظواهر المدروسة والاسئلة المستشكلة.

فبعدما شهدت الفلسفة نوع من التفكك الممنهج بينها وبين العلوم التي كانت تنتمي اليها وجوبا، بدءً بالرياضيات - كونها تتحرّى الدقة واليقين على عكس الفلسفة التي تنتهج الشك والنقد وتؤول الى نسبية النتائج-، إلى غاية علم النفس كآخر علم منفصل عن الفلسفة بدايةً من تجارب ولهلم فونت W.Wundt مع المدرسة البنائية، قامت الفلسفة باعتماد حركة عكسية مضادة بمحاولة استعادة هذه العلوم من جديد وفلسفتها، بعد تقديم مقاربة منهجية جديدة تمارس بها النقد وتطبق بها الاسس العلمية المنطقية وفقا لما تروم له هذه العلوم، وتجلت هذه الحركة او المقاربة فيما يسمى "الابستمولوجيا"، ولما كانت العلوم الاجتماعية على رأس هذه العلوم حاول علماء الاجتماع التماشي مع هذه الخطاطة الابستمولوجية والتقدم بها نحو تطوير ميدان العلوم الاجتماعية خاصّة من جانب المنهج، لأنها تعاني حقيقة أزمة في المنهج والنتائج بطغيان عامل الذاتية عليها من جهة، والافراط في استخدام المنهج العلمي التجريبي حد القول بالتشييء المطلق لمختلف الظواهر الاجتماعية، وأخذها على نفس المستوى مع ظواهر وموضوعات علوم المادة الجامدة، في حين نجد أن الابستمولوجيا تتحرى الموضوعية والمنطقية، بتبنيها للقراءة العلمية للظواهر دون أن تُفقد للظواهر الاجتماعية خصوصياتها ومنطقها التّغيّري وفقا لسياقات المجتمعات وأطرها الثقافية والتاريخية