- الشعر الشعبي بين النشأة والتطورI
أولا: مدخل إلى الأدب الشعبي:
حظي الأدب الشعبي باهتمام واسع في السنوات الأخيرة من قبل الدارسين والباحثين، فاعتبروا أنه ضروريا لا يقل أهمية عن الأدب الفصيح فالدارس للأدب الشعبي، يجد أنه أدب شاسع شمل كل جوانب الحياة كالجانب العقائدي والاجتماعي والسياسي والتاريخي؛ كقضية المديح النبوي والتصوف وقضية السرد القصصي وغير ذلك، ويعد الشعر الشعبي من أبرز الأساليب التعبيرية في الأدب الشعبي الشفهي بل إنه ضرورة حتمية عند بعض المجتمعات باعتباره مرآة عاكسة لها ، لما له من بساطة في الطرح وبلاغة في الاقناع ، فالشاعر الشعبي يتخذ من القضايا التي يعيشها مجتمعه موضوعا بارزا في أشعاره فيعبر عن مجمل آمالهم وآلامهم بطريقة شفاهية و بلغة عامية بليغة ومؤثرة، شأنه شأن الشعر العربي الفصيح. ومن هذا المنطلق لا بد لنا من الإحاطة بالأدب الشعبي من ناحية والشعر الشعبي من ناحية أخرى.
1- ماهية الأدب الشعبي:
الأدب الشعبي هو ذلك الأدب الذي يكتب بلغة عــــــــــامية، قريبة من أفواه الشعب وأحــــــــاديثهم اليومية التي يتداولونها فيما بينهم، إنه ذلك الأدب الذي يستغرق مظاهر الحياة الشعبية، قديمها وحديثها، حاضرها ومستقبلها ويصورها تصويرا دقيقا، فيعبر عن احتياجاتهم ووجدانهم ومشـــــاعرهم واهتماماتهم يقول حسين نصار: " لا أظن أحدا يعارض في أن الصورة الصافية الدقيقة للأدب الشعبي هي التي تضم الأدب الذي يعبر عن مشاعر الشعب وأحاسيسه فالأدب الشعبي إذن هو الأدب الذي يصدره الشعب فيعبر عن وجدانه ويمثل تفكيره ويعكس اتجاهاته ومستوياته الحضارية".[1]
الأدب الشعبي هو مصطلح يقابل مصطلح الفلكلـور عند الغرب، إذ أن هذا الأخيـــر يستعمل للتعبير عن الملكات الخلاقة التي تصدر عن شخصية فردية، وبخـاصة في المجالات التي يتوسل فيها بالكلمة المجهورة أو الشفاهية، وهو يتألف من الحكـــــايات والأغـــاني والأمثـــال وبعض الظواهر التمثيلية وغيرها، مما يدخل في مجــــال الآداب الشعبية.[2] ومصطلح " فلكلور" من المصطلحــــــات التي تدل على المأثــــور الشعبي والثقـــافة الشعبية كما يشير التلي ابن الشيخ في كتــــابه " منطلقات التفكير في الادب الشعبي" إلى أن هذا المصطلح هو مركب من كلمتين فـــــولك (folk) وتعني قوم أو شعب، ولـــــــور(lore) وتعني المأثــــــــور الشعبي أو الثقافة الشعبية، والجديـــــر بالذكـــــر أن هذه التسمية – الفلكلور- قد انتقلت إلى اللغة العربية ضمن التأثيرات الثقافية التي وفدت من الغرب ولا يزال يستخدمه العديد من الكتــــــــاب العرب ولاسيما الصحافة والاذاعة والمسرح ما أدى إلى انتشار المصطلح وتداوله في الوطن العربي."[3] فالوعي بالدراسات الشعبية كان من اهتمامات الغرب منذ القديم ما جعلهم يهتمون بجمع مادة التراث الشعبي والعناية بها وتحديدها وتعريفها.
يعد مصطلح الأدب الشعبي غربي الأصل عربي النشأة، فهو مصطلح مركب من كلمتين – أدب- و - شعب- أما الأدب فهو مفهوم عام ذو معاني عديدة وآفاق واسعة فهو "ذلك الكلام الفني الجمالي رفيع المستوى من شعر او نثر صادر عن أديب كاتب أو شاعر، وخاضع لمنطق لغوي فني معين".[4] بينما تحيلنا كلمة الشعبي والمشتقة من " الشعب " الذي يعيش في إقليم متعدد و منفرد، تجمعه خصائص مشتركة بين أفراد المجتمع الواحد ويشير المصطلح في نفس الوقت إلى مفهومين مختلفين:
أ- جمهور أو عدد وافر من الناس ينتمون إلى بلد واحد، ويخضعون للقوانين نفسها، أو بالتعميم مجموع الناس الذين يشتركون في علامة مماثلة الدين الدولة الأصل الأرض.
ب- فريق من الأمة المعتبر على النقيض من الطبقات الأخرى، حيث تتوفر إما الزيادة في الثروة وإما الزيادة في المعرفة.[5]
ترى نبيلة ابراهيم أن "الأدب الشعبي ينبع من الوعي واللاشعور الجمعي"[6]. فالعادات والتقاليد والمعتقدات المنتشرة في أي منطقة وأي أمة إنما هي مستمدة من موروثها الشعبي، والذي لم ينشأ بدوره إلا من ذات الشعب، وتقول في موضع آخر: " عندما ننطق بعبارة الأدب الشعبي، أو التراث الشعبي، فإننا على وعي تام بأننا نعني نتاج جماعة بعينها وليس الشعب بأسره"[7] فالأدب الشعبي هو نتاج فرد أو مجموعة من الأفراد التي تجتمع لتؤلف حكاية أو مثلا أو لغزا أو غير ذلك، فهذا الأخير إذن هو ذاكرة الشعوب ومرآتها التي تعكس بكل صدق ماضيها ووعيها الشفوي بكل ما ينطوي عليه من تقاليد وعادات وطقوس دينية واجتماعية.
اهتم النقاد والمختصون بمصطلح الأدب الشعبي فحاولوا أن يقدموا تعريفا شاملا وموحدا له، إلا أن الآراء النقدية تعددت لأسباب عديدة منها:
ü طبيعة المادة الشعبية، فالمادة الشعبية في حركة دائمة، تحمل رموزا ودلالات مختلفة قابلة للزيادة أو النقصان حسب الظرف والعصر الذي قيلت فيه.
ü رؤية كل باحث أو دارس، فهناك من يولي كل الأهمية للمضمون وهناك من يركز على الشكل، وآخر يأتي فيجمع بينهما.
ü غنى مادة الأدب الشعبي فهو يشمل كل المجالات الفكرية من أدب وتاريخ وعلم النفس والاجتماع وغيرها ما سمح بتعدد التعاريف.
فهناك من يعتبر أن الأدب الشعبي هو ذلك الأدب المتناقل شفاهة لا كتابة، فهو عامي التعبير، تقليدي النشأة، مجهول المؤلف وشفاهي مقابل الأدب الرسمي، "فالأدب الشعبي لأي مجتمع من المجتمعات الانسانية هو أدب عاميتها التقليدي والشفهي، مجهول المؤلف المتوارث جيلا عن جيل"[8] ، وهناك من يركز على الجانب اللغوي فإذا كانت اللغة المستعملة لغة أدبية فصيحة فهي تنتمي إلى الأدب الفصيح أو الرسمي وإذا أستعملت لغة عامية بسيطة فهي من الأدب الشعبي، وهناك من اهتم بمحتوى الأدب لا شكله حيث يقول عز الدين جلاوجي: " الأدب الشعبي هو أدب الشعب، المعبر عن مشاعره وأحاسيسه، والممثل لتفكيره واتجاهاته ومستوياته الحضارية، المتداول بين أفراده، البسيط في لغته وصوره، سواء أكان مرويا شفاهيا، أو مكتوبا معروف المؤلف أو مجهوله." [9]
2- ماهية الشعر الشعبي
أ- تعريف الشعر الشعبي:
الشعر الشعبي هو شكل من أشكال التعبير في الأدب الشعبي، فهو إبداع شعبي شفوي، ونمط من الأنماط الثقافية الشعبية، كباقي الأنماط الشعبية الأخرى، " يتضمن الأدب الشعبي الشعر والغناء والأحاجي والقصص والمعتقدات الخرافية والتقاليد، وغيرها من عناصر التراث حتى أصبح مفهوم الأدب الشعبي يضم مجموعة من الفنون القولية كالأمثال الشعبية والأغاني والنكت والحكايات الشعبية، ولعل على رأس هذه الفنون الشعر الشعبي"[10] ويطلق الشعر الشعبي على كل "كلام منظوم من بيئة شعبه بلهجة عامية، تضمنت نصوصه التعبير عن وجدان الشعب أمانيه، متوارثا جيلا عن جيل عن طريق المشافهة، وقائله قد يكون أميا وقد يكون متعلما بصورة أو بأخرى مثل المتلقي أيضا".[11]
ويتكون الشعر الشعبي من كلمتين أساسيتين هما:
الشعر:
ثانيا: بدايات الاهتمام بالشعر الشعبي في الجزائر:
إن أغلب الدراسات النقدية تشير إلى العناية الكبيرة والجهود المبذولة من طرف الباحثين للإلمام بالثقافة الشعبية الجزائرية، فقد اتجه الباحثون والدارسون الفرنسيون منذ القرن التاسع عشر إلى جمع وتدوين الموروث الشعبي وتحليله، وقد حظي الشعر الشعبي باهتمام بالغ في الدراسات السوسيو- ثقافية، والمعروف أن هذه الثقافة الشعبية في أغلبها ذات طابع شفهي – كالشعر الشعبي – حيث تتناقلها الأجيال شفاهة عن طريق الرواية، ومن الطبيعي أن تمر مثل هذه الدراسات بمراحل منهجية كالجمع والتدوين والدراسة والتحليل .
1- مرحلة الجمع والتدوين:
حظي الشعر الشعبي باهتمام الباحثين الفرنسيين منذ القرن التاسع عشر، قصد التعرف على البيئة الشعبية الجزائرية، وانصب اهتمامهم بالشعر الذي يتناول وقائع المعارك المسلحة بين الجزائريين والجيش الفرنسي؛ يقول عبد الحميد بورايو: " ... وما حظي منه بالاهتمام كان يرتبط ارتباطا مباشرا بالثقافة المادية، واعتمده الباحثون الفرنسيون كمادة تصلح للكشف عن سلوك الانسان الجزائري وردود أفعاله."[12] وهذا دليل على اقتناع الباحثين الفرنسيين بأن الشاعر الشعبي كان يؤدي وظيفة المؤرخ في تصوير المعارك وكذا مقاومة الجزائريين للاستعمار الفرنسي، وقد اهتموا كذلك بالحقبة التركية ما جعلهم يجمعون الأشعار التي تؤرخ لوقائع الصدامات المسلحة التي وقعت جراء الحملات العسكرية التركية، كما اهتموا بالحروب التي كانت تقع بين المجموعات المحلية المشكلة للقبائل فيما بينها، وقد جمعت هذه الأشعار ونشرت مترجمة إلى اللغة الفرنسية حيث نعثر عليها في الدوريات خاصة والمجلات كالمجلة الإفريقية أو في بعض المؤلفات، ومن بين هذه المؤلفات والمقالات نذكر ما يلي:
- مدونة الأمريكي " هودوقسون W.Hodgson " والذي عمل فيها على تسجيل أقدم القصائد الشعرية القبائلية، وهذا قبل احتلال المنطقة من قبل الفرنسيين ببضع سنوات، إذ يعد هذا الشعر من أقدم الأنواع الأدبية التي حظيت بالاهتمام في مرحلة الاستعمار الفرنسي.
- مدونة الفرنسي أ. هانوطو سنة 1867 والتي عنونها بـ : "الشعر الشعبي في قبائل جرجرة" فعمد فيه إلى تصنيف الشعر القبائلي حسب مضمونه، حيث خصص القسم الأول للقصائد التاريخية والسياسية وتناول في القسم الثاني بعض الشعر الغنائي وشعر الحكمة وقدم في القسم الثالث بعض النماذج من الشعر النسوي. فمن الظاهر أن هانوطو قد اعتنى بصفة خاصة بالشعر الذي يكشف عن موقف الجزائريين في منطقة القبائل من الاستعمار الفرنسي.
- التلي بن الشيخ، دور الشعر الشعبي في الثورة ( 1830-1945 ) الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1983، ص71[3]
- سعيدي محمد، الأدب الشعبي بين النظرية والتطبيق، سلسلة دروس جامعية (آداب)، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1998، ص9 [4]
-كهينة قاسمي، الامثال الشعبية بمنطقة المهير -دراسة تاريخية وصفية-، مذكرة لنيل درجة الماجستير،جامعة المسيلة،2009 ص10 [5]
- Enseignant: FARIDA DAHMANI-BOUARAB
- Enseignant: Lacheheb Sofiane