ترتبط الحداثة زمنيا، بعصر التنوير الأوروبي، الذي بدأ في القرن الثامن عشر، وكان يقوم على أساس أن العقل يمكن أن يفسر كل ظواهر العالم، فتشّلت حينها مركزية عقلية ومنطقية، واستمرت طويلا إلى غاية تشكيك فلاسفة ما بعد الحداثة في قدرات العقل البشري وآليات اشتغال المنطق في فهم وتأويل العالم، فحداثة الفيزياء هي التي صنعت المعادلة الفيزيائية للقنبلة النووية، فتساءل البعض: هل أصبح هذا العقل مجنونا ومتعصبا؟

في السياق الفكري العربي، يملك كل من محمد سبيلا وعبد السلام بن عبد العالي رؤيتهما الخاصة للحداثة التي يعتبرانــــها" حركة انفصال، إنها تقطع العلاقة مع التراث والماضي، ولكن لا لنبذه وإنما لاحتوائه وتلوينه وإدماجه في مخاضها المتجدد، ومن ثمة، فهي اتصال وانفصال، استمرار وقطيعة: استمرار تحويلي لمعطيات الماضي وطيعة استدماجية له، هذا الانفصال والاتصال تمارسه الحداثة حتى على نفسه"[1]، فحين تستدعي الحداثةُ التراثَ تقوم بتثويره، من منظور معرفي عقلاني، لإزالة كل القدسيات والقراءات الثابتة التي ارتبطت به، فعل سبيل المثال نلاحظ أنّ محمد عبد المطلب يكتب كتابا بعنوان ( قضايا الحداثة عند عبد القاهــــــــــر الجرجاني) فينظر إلى أفكار الجرجانــــــــــي وخطابه البلاغي نظـــــــرة حداثية. ونجد كذلك أدونيس يؤكد على حداثــــــــــــة أبي نواس وغيره من الشعراء المتمردين الذين نسفوا نسق التفكــــــــــير الشعري في المنظـــــومة التــــــراثيــة (المقدّمة الطللية على سبيل المثـــــــال).



[1]- محمد سبيلا وعبد السلام بن عبد العالي، الحــــــداثة، ط.3، ص.05.